کد مطلب:109746 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:258

خطبه 028-اندرز و هشدار











ومن خطبة له علیه السلام

وهو فصل من الخطبة التی أولها: «الحمد لله غیر مقنوط من رحمته» وفیه أحد عشر تنبیهاً:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْیَا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَعٍ، أَلاَ وَإِنَّ الْیَوْمَ المِضْمارَ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَالْغَایَةُ النَّارُ; أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِیئَتِهِ قَبْلَ مَنِیَّتِهِ ! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ یَوْمِ بُؤْسِهِ ! أَلاَ وَإِنَّكُمْ فی أَیَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ، فَمَنْ عَمِلَ فی أَیَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَلَمْ یَضْرُرْهُ أَجَلُهُ; وَمَنْ قَصَّرَ فی أَیَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ فَاعْمَلُوا فِی الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِی الرَّهْبَةِ، أَلاَ وَإِنِّی لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلاَ وَإنَّهُ مَنْ لاَیَنْفَعُهُ الْحَقُّ یَضُرُّهُ البَاطِلُ، وَمَنْ لایَسْتَقِیمُ بِهِ الْهُدَی یَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَی الرَّدَیْ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَدُلِلْتُمْ عَلی الزَّادَ. وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَیْكُمُ: اتِّبَاعُ الْهَوَی، وَطُولُ الْأَمَلِ، تَزَوَّدُوا فِی الدُّنْیَا مِنَ الدُّنْیَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً. قال السید الشریف -رضی الله عنه- وأقول: إنّهُ لو كان كلامٌ یأخذ بالأعناق إلی الزهد فی الدنیا، ویضطر إلی عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفی به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار. ومِن أعجبه قوله علیه السلام: «ألا وَإنّ الیَوْمَ المِضْمارَ وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسّبَقَةُ الجَنّة وَالغَایَة النّار» فإن فیه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنی، وصادق التمثیل، وواقع التشبیه ـ سرّاً عجیباً، ومعنی لطیفاً، وهو قوله علیه السلام: «والسَبَقَة الجَنّة، وَالغَایَة النّار»، فخالف بین اللفظین لاختلاف المعنیین، ولم یقل: «السّبَقَة النّار» كما قال: «السّبَقَة الجَنّة»، لان الاستباق إنما یكون إلی أمر محبوبٍ، وغرض مطلوبٍ، وهذه صفة الجنة، ولیس هذا المعنی موجوداً فی النار، نعوذ بالله منها! فلم یجز أن یقول: «والسّبَقَة النّار»، بل قال: «والغَایَة النّار»، لان الغایة قد ینتهی إلیها من لا یسره الانتهاء إلیها ومن یسره ذلك، فصَلح أن یعبر بها عن الأمرین معاً، فهی فی هذا الموضع كالمصیر والمآل، قال الله تعالی:( قُلْ تَمتَّعُوا فَإنَّ مَصِیرَكُم إلی النّارِ)، ولا یجوز فی هذا الموضع أن یقال: سبْقتكم _ بسكون الباء _ إلی النار، فتأمل ذلك، فباطنه عجیب، وغوره بعید لطیف. وكذلك أكثر كلامه علیه السلام. و فی بعض النسخ: وقد جاء فی روایة أخری: «والسُّبْقة الجنة» _ بضم السین _ والسبّقة عندهم اسم لما یجعل للسابق إذا سبق من مال أوعَرَض، والمعنیان متقاربان، لأن ذلك لا یكون جزاءً علی فعل الأمر المذموم، وإنما یكون جزاءً علی فعل الامر المحمود.